أصبح الذكاء الاصطناعي يعتبر تهديد مباشر للعاملين ضمن مجالات مختلفة مثل التصميم والبرمجة وكتابة المحتوى.
أعتقد أن الجميع في الوقت الحالي بات قلق على مساره المهني بسبب الذكاء الاصطناعي، حيث لا يمر يوم دون أن نسمع بعض الأخبار أو نشاهد بعض التجارب التي تتم عبر استخدام إحدى الأدوات التي أصبحت تستخدم الذكاء الاصطناعي في عملها.
وأكاد أجزم أن عام 2022 كانت هي العام التي شهدنا ضمنها الكثير من التطوير ضمن هذه الأدوات، حيث نشاهد يومياً تطورات هائلة وسريعة بشكل أكبر بكثير من توقعاتنا، وانا أعترف انني لم أكن حتى أتوقع مثل هذه التطورات إلا بعد أعوام.
وطبعا هذا يؤدي إلى مجموعة من الأسئلة مثل ماذا سوف نشاهد أكثر من ذلك؟ هل من الممكن أن يحل الذكاء الاصطناعي مكاني في العمل؟ هل يمكن أن يتم الاستغناء عني بهذه السرعة؟ ماذا سوف أفعل لو حدث ذلك؟
حسناً ضمن هذه المقال سوف أقوم بوضع خلاصة ما قمت باستنتاجه حول الذكاء الاصطناعي، بعد أن شاهدت وجربت الكثير من الأدوات، وسمعت مجموعة من آراء الأشخاص الخبراء حول الموضوع، وأعتقد أنك قد تصدم من رأيي في النهاية، وأيضاً أعتقد أنني سوف أعود لهذه المقال في المستقبل وأقول فعلاً كنت محق.
ولكن يجب أولاً أن نفهم بعض الأمور قبل إطلاق الاستنتاجات.
في البداية دعونا نجيب على هذا السؤال، فعلاً لماذا كل هذا الاهتمام بالذكاء الاصطناعي، هناك الكثير من التقنيات والاختراعات الأخرى التي لها أثر كبير في حياة الإنسان في الوقت الحالي، ولكن لماذا كل هذا الاهتمام بموضوع من المفروض أننا نعمل عليه منذ زمن وليس وليد هذه اللحظة؟
سبب الاهتمام الكبير حالياً بالذكاء الاصطناعي يعود للقفزات التي شهدها هذا المجال خلال السنوات الماضية وتحديداً هذه السنة، صحيح أن الكثير من الشركات تعمل على تطوير هذا المجال منذ سنوات، ولكن عمل هذه الشركات إما كان سري أو كان لا يعرض للعامة، ولكن خلال 2022 تم إتاحة استخدام العديد من الأدوات التي تم تطويرها بشكل مباشر للتجربة لكل الناس وبشكل مجاني تقريباً.
وأعتقد أن برنامج Dall-e 2 كان من أول هذه التطبيقات الذي اتيح بشكل عام، وهو عبارة عن تطبيق يسمح بإنشاء صور من الصفر عبر كتابة مجموعة من الكلمات التي تحدد ضمنها تفاصيل الصورة المطلوبة، ثم تم طرح Midjourney والذي يعمل بنفس المجال، وأخيراً شهدنا طرح ChatGPT والذي يعتبر مختلف فهو عبارة عن تطبيق حوار يقوم بالإجابة عن الأسئلة عبر استخدام الذكاء الاصطناعي، طبعاً من الممكن أن يكون هناك أدوات أخرى ولكن هذه أهمها وأكثرها انتشاراً.
وطبعا بطرح هذه الأدوات للجميع أصبح الكل قادر على تجربة هذه الأدوات والتفاعل معها ومشاهدة النتائج المذهلة الغير متوقعة " ثم التفكير كيف من الممكن أن يستفيد منها أو يتأثر بها؟"، وهذا ما أثار الكثير من الضجة.
من وجهة نظري نحن حالياً ضمن حقبة سوف تصبح في المستقبل حقبة مفصلية في التاريخ، فمثلاً عندما تم اختراع المحرك ثم تم توظيف المحركات ضمن الآلات في المعامل، أصبح لدينا ما نعرف اليوم بالثورة الصناعية والتي هي حقبة تم تأريخها بناءاً على ظهور المحركات التي غيرت تماماً من شكل العمل المتعارف عليه.
حيث تم اختصار الكثير من الوظائف التقليدية وحل مكانها الآلات الجديدة، وبنفس الوقت ظهرت الكثير من الوظائف الجديدة التي نتجت بسبب تغير أنماط العمل، فأصبح هناك أدوات عمل جديدة ووظائف مختلفة تماماً، قد تكون أقل بالعدد من السابق ولكنها فرص جديدة بالمطلق وتغير كامل بنمط وأسلوب العمل الذي كان سائد ومتعارف.
ونحن الآن ضمن نفس هذه الحقبة تماماً وأعتقد أنها سوف تسمى لاحقاً بثورة الذكاء الاصطناعي، لأن الذكاء الاصطناعي سيقوم مع الوقت بتغيير شكل العمل الذي نعرف اليوم بشكل كامل، حيث ستختفي وظائف معينة وتظهر وظائف أخرى مكانها.
وطبعا محرك كل هذا هو الرأسمالية التي تهدف دائماً لزيادة الربح عبر تقليل التكاليف وزيادة الإنتاج، وهذا ما يمكن أن يحققه الذكاء الاصطناعي بكل سهولة، فهو أقل تكلفة بكثير من الموظفين الذين يحتاجون لرواتب شهرية وتأمين صحي ورواتب تقاعد وغيرها، وهو بنفس الوقت أكثر سرعة في إنتاج العمل المطلوب منه.
هذا هو السبب الحقيقي لكل هذا الاهتمام من قبل الشركات والأفراد بالذكاء الاصطناعي، فالتغيير الذي سوف ينتجه سيكون تغيير جذري يتقاطع بشكل أساسي مع مصالح الشركات وأصحاب المال.
دعونا نتفق على شيء قبل الإجابة بشكل مفصل على هذا السؤال، هذا الشيء هو أن كل شيء ممكن، أي طبعاً من الممكن أن يحل الذكاء الاصطناعي مكانك في العمل في المستقبل، ولكن متى وكيف هذا هو السؤال الصحيح؟
قد يكون أكبر ضجة حصل عليها الذكاء الاصطناعي منذ أن بدأ يظهر بشكل كبير خلال الفترة الماضية، هي ضجة تطبيقات رسم الصور من الصفر والتي شاهد المصممون ضمنها منافس مباشر لهم، خصوصاً أن فئة من المصممين والرسامين قد تكون تضررت مباشرة عبر هذه التطبيقات.
فالأشخاص الذي يعملون بمجال رسم الأشخاص او الرسم عموماً (هو تخصص صعب بالمناسبة) أثر عليهم الذكاء الاصطناعي بشكل كبير وأصبح يهدد عملهم فعلاً، فبدل أن تدفع لشخص حتى يقوم برسمك بنموذج واحد ياخذ وقت طويل، يمكن استخدام هذه التطبيقات وسوف تحصل على الكثير من الاحتمالات بالشكل والنمط الذي تريده خلال دقائق.
ولكن هل المصممون هم أكثر الفئات التي سوف تتضرر في المستقبل؟
من تجربتي ووجهة نظري المتواضعة لا لن يكون المصممون هم الفئة الأكثر تأثراً فهناك فئات أصبحت مهددة بشكل أكبر، مثل كتاب المحتوى والمبرمجين!
فمع ظهور أداة ChatGPT التي تستطيع إنتاج نصوص والقيام بالأبحاث وإعطاءك نتائج مباشرة، أصبحت هذه الفئة هي من الفئات المهددة بشكل كبير، وأيضاً هذه الأداة بإمكانها دراسة أي كود برمجي وتصحيحه وأيضاً كتابة أكواد من الصفر بكل سهولة و بأخطاء أقل من الإنسان.
لذلك أعتقد أن المبرمجين تحديداً هم في القريب العاجل سيكونون الأكثر عرضة للتأثر بالذكاء الاصطناعي وذلك لسبب بسيط جداً.
السبب هو الإبداع البشري، صحيح أننا شهدنا إمكانية إنشاء صور وتصاميم من الصفر عبر الذكاء الاصطناعي، ولكن هي بالنهاية لا تعدو أكثر من رسم لا يمكن ربط متطلبات عمل واضحة أو نتائج مخصصة للعمل، هذا الارتباط ما بين التصميم والمتطلبات يحتاج إلى إبداع بشري حتى يستطع إنتاجه لن يكون الذكاء الاصطناعي قادراً على الوصول إليه في الوقت الحالي.
ولكن نحن نعلم جيداً أن الآلة يمكنها التفوق علينا بشكل ساحق بالعمليات المنطقية التي لا تحتاج إلى إبداع، فثلاً يمكن للحاسوب عمل ملايين العمليات المنطقية في الثانية وبدون خطأ وهذا مستحيل على البشر في الأساس.
والبرمجة تحديداً تعتمد على المنطق ليس على الإبداع لذلك سيكون من الطبيعي جداً أن تتأثر بالذكاء الاصطناعي مباشرة وبشكل أكبر من المصممين، أي أن كل مجال عمل يعتمد على المنطق أكتر من الإبداع والتواصل البشري سيكون معرض بشكل أكبر أيضاً للاستبدال.
حسناً بعد كل هذا التوضيح والتشائم دعني أعطيك رأيي النهائي في الموضوع، بشكل عام لا أعتقد أننا سوف نشاهد شيء من التغيير الجذري في القريب العاجل، لأن العمل بكل جوانبه وتخصصاته أكثر تعقيداً بكثير مما نتخيل لذلك لن يكون استبدال وتغيير نمط العمل وليد وقت محدد من الزمن.
الموضوع يجب أن يتم على مراحل طويلة من التغييرات المقنعة والمقبولة من قبل الناس، أي أن يتم إدخال الذكاء الاصطناعي إلى مجموعة الأدوات التي نقوم باستخدامها كأدوات مساعدة تسهل علينا الأعمال والمهام التي نقوم بها ولكن لا تستبدلنا، طبعا هذا في البداية.
مثلاً بدل أن تذهب صورة لمصمم من أجل أن يعمل تعديلات وتحسينات عليها عبر تطبيق الفوتوشوب، سيكون بالإمكان إرسال الصورة لتطبيق ما يقوم بهذه العمل عبر الذكاء الاصطناعي، ثم تعود الصورة للمصمم لاستخدامها ضمن المكان المناسب وبالشكل الذي يحتاجه.
أو أن يقوم المبرمج باستخدام الذكاء الاصطناعي من أجل تصحيح وتحسين بعض الأكواد التي يعمل عليها، أو أن يستخدم الكاتب بعض الأدوات من أجل إجراء أبحاث حول فكرة ما يقوم هو بكتابة مقال حولها، بهذا الشكل يكون الذكاء الاصطناعي أداة مساعدة لا أداة استبدال.
ولكن إلى متى هذا؟ إلى أن يتمكن الذكاء الاصطناعي من أداء المهام بشكل أفضل ومؤتمت ويتم تغيير نمط العمل وعقلية الناس بالتعامل مع هذه الأدوات الجديدة، وهذا ما سوف يخلق نمط جديد من العمل ووظائف أخرى جديدة مختلفة كما حصل تماماً مع الثورة الصناعية.
رأيي الأخير كلما كان مجال عملك أكثر تعقيداً ويحتاج للتواصل والإبداع البشري كلما كان من الصعب أكثر أن يتم استبدالك في المستقبل بأي طريقة، أيضاً كنصيحة قرأتها منذ أيام كلما كنت أكثر تكيف وتقبل للتغيير ستكون في مأمن أكثر من المستجدات التي سوف تظهر، لذلك حاول تطوير نفسك ومهاراتك حتى تكون متكيف بما يكفي مع كل جديد.
أو الأفضل أن تتعلم كيف يتم تطوير الذكاء الاصطناعي وأن تعمل على تطويره بنفسك.
متخصص في تصميم واجهات الاستخدام وتجربة المستخدم، عملت على عشرات مشاريع تصميم التطبيقات والمواقع، وأعمل حالياً كمستشار تصميم تجربة مستخدم ضمن العديد من الشركات التقنية، بالإضافة لعملي كمدير للمنتجات ضمن مشاريع تقنية مختلفة.