مازال النقاش محتدم حول الذكاء الاصطناعي ولكن هناك الكثير من الأمور التي يجب فهمها مثل، كيف يعمل الذكاء الاصطناعي في الأساس؟
بدأت تراودني في الفترة الأخيرة أحلام غريبة أسمع ضمن بعضها أصوات ضرب قوية على باب بيتي أثناء عملي على جهاز الحاسب، فأذهب لأعرف من يضرب بابي بهذا الشكل وإذا بروبوت كبير يعمل عبر استخدام الذكاء الاصطناعي يحاول الهجوم علي لكي يتمكن من أخذ وظيفتي في الشركة.
وأعتقد أن هذه الكوابيس بدأت تراودني بسبب كثرة المنشورات التي أصبحت أشاهدها على الشبكات الاجتماعية يومياً حول الذكاء الاصطناعي، هذه المنشورات الكثيرة التي لا حصر لها والتي ينشرها أشخاص أعتقد أن بعضهم قد لا يعلم شيء عن طريقة عمل الذكاء الإصطناعي أساساًَ، ولكنه فقط يكرر ما سمعه بسبب مشاهدته لصورة ذات تفاصيل مبهرة قام الذكاء الاصطناعي بعملها.
وكنت قد تكلمت في المنشور السابق "الذكاء الاصطناعي وأزمة الإقالة من العمل" عن رأيي بالذكاء الاصطناعي ولماذا كل هذه الضجة حالياً؟ وما هو المستقبل لهذه التقنية؟ وغيرها من أسئلة أخرى، يمكنك الرجوع للمقال إن لم تكن قرأتها بعد.
وحتى يصبح موضوع الذكاء الاصطناعي أكثر وضوحاً دعونا نطرح أسئلة أخرى ونجيب عليها مثل كيف يعمل الذكاء الاصطناعي في الأساس؟ وهل الذكاء الاصطناعي ذكي بالفعل أم أنه فقط اسم مضلل؟ وهل ما يتم إنتاجه من تصاميم عبر الذكاء الاصطناعي في الوقت الحالي قد يكون قانوني في المستقبل؟
يعتقد الكثيرون إن لم يكن 99% من الأشخاص أن الذكاء الاصطناعي هو نتاج عمل السنوات الماضية أو العقد الماضي تحديداً، ولكن دعني أصدمك لقد بدأ العمل على الذكاء الاصطناعي منذ خمسينات القرن الماضي، صدمت أليس كذلك؟
ففي عام 1959 قام كل من Allen Newell و Herbert Simon بإنتاج تطبيق تحت اسم General Problem Solver والذي يعتبر أول تطبيق للذكاء الاصطناعي حرفياً، وكان الهدف من هذا التطبيق هو تقديم حلول لأي مشكلة يتم طرحها على الآلة في حال تم تقديم هذه المشكلة عبر صيغة رياضية.
كانت الفكرة وراء هذا التطبيق بسيطة جداً، حيث افترض العالمان أن كل شيء في الحياة عبارة عن رموز، وأن التفكير البشري يعتمد على هذه الرموز بشكل كامل في فهم العالم من حوله، فاللغة والإشارات المرورية وكل العناصر الأخرى في حياتنا هي عبارة عن رموز يستطيع العقل البشر فهمها وتفسير معناها.
لذلك في حال استطاعت الآلة أن تفهم هذه الرموز كما يستطيع البشر فهمها فإنها سوف تستطيع أن تفكر بنفس الطريقة التي نفكر بها نحن البشر، ولكن واجهت هذه الفرضية الكثير من الأصوات المعارضة وغير المقتنعة بها من الأساس.
من بين المعارضين للفكرة السابقة كان المصمم John Sorrell ومن أجل إثبات عدم إمكانية حصول الآلة على ذكاء مثل البشر قام بإبتكار تجربة تحت اسم حجة الغرفة الصينية، ضمن هذه التجربة يجب أن تفترض نفسك موجود ضمن غرفة مغلقة تماماً تحتوي على نافذة صغيرة هي وسيلتك للتواصل مع العالم الخارجي فقط.
ضمن الغرفة يوجد لديك كتاب يحتوي على مجموعة كبيرة من الأنماط المرتبطة بالرموز الصينية، والتي تخبرك أنك في حال واجهت سلسلة من الرموز الصينية المرتبة بطريقة محددة يجب أن ترد بمجموعة محددة أخرى من الرموز الصينية الموضحة ضمن الكتاب، وانت طبعاً لا تفهم الصينية وإنما سوف تقوم بالرد حسب ما هو موجود بالكتاب عبر مطابقة الأنماط فقط.
لذلك في حال قام شخص يتقن اللغة الصينية بالتوقف أمام شباك الغرفة وأرسل عبر الفتحة مجموعة من الرموز الصينية، ستقوم أنت بالبحث ضمن الكتاب عن هذه الرموز ثم عندما تجدها سوف تقوم بالرد برموز صينية أخرى وذلك حسب ما هو موضح أمامك.
الشخص الذي يقف خارج الغرفة عندما يحصل على الرد بهذه الطريقة سوف يعتقد أنه يوجد شخص ضمن الغرفة يتقن الصينية مثله تماماً لذلك قام بالرد عليه بشكل صحيح، وسوف يعتقد أنه يقوم بإجراء محادثة حقيقية مع هذا الشخص عبر الاستمرار بهذه الطريقة.
ولكن هل هذا يعني أنك أصبحت تتقن اللغة الصينية؟ بالتأكيد لا، ولكن نحن نقوم بنفس الموضوع اليوم تماماً، فمثلاً لو قمت الآن بسؤال Siri أو مساعد جوجل ضمن هاتفك عن أي سؤال، مثل كيف حالك؟ أو ما هي حالة الطقس اليوم؟ فسوف تحصل على إجابة كاملة بكل تأكيد.
ولكن ما يتم بكل بساطة هو أن الذكاء الاصطناعي يقوم بمطابقة سؤالك باستخدام مجموعة هائلة من الأنماط المختلفة المخزنة لديه مسبقاً ويقوم بالرد عليك عبر الاجابة الموجودة ضمن هذه الأنماط، ولكن هل يعتبر ذلك عبارة عن ذكاء فعلاً؟
طبعا قد يجيبني الآن أحدهم ويخبرني أن هذا كان سابقاً منذ عشرات السنين ولكن اليوم الموضوع اختلف تماماً وهناك آليات مختلفة تستخدم، لذلك أصبح الموضوع أكثر تطوراً وأصبحت الآلة تمتلك نوع من الحس السليم الذي يسمح لها بتمييز الصحيح من الخاطئ وتبتكر أمور جديدة و تجيب على أسئلة لم يتم الإجابة عنها حتى الآن.
حسناً حتى نستطيع الإجابة على هذه الادعاء يجب أن نفهم تماماً كيف يعمل الذكاء الاصطناعي.
يعمل الذكاء الاصطناعي عبر استخدام الأنماط، ولكن كيف يتم توليد هذه الأنماط؟ حسناً هناك عدة طرق لانتاج الأنماط، لن أتطرق لها بشكل كامل ومفصل حتى لا يصبح المقال أطول من ما هو عليه، ولكن سوف أحاول أن أوضح ما نحتاجه هنا فقط بشكل مختصر.
أو بالإنكليزية Symbolic Systems Approach هذا النهج يسمح للمبرمجين الأوائل عمل أنظمة تبدو وكأنها ذكية، ولكنها في الواقع تعمل باستخدام أنماط محددة تم وضعها عبر خبراء ضمن مجال ما.
مثلاً لو كنا نعمل على نظام ليعمل ضمن مشفى بحيث يقوم بتحديد الأمراض لدى المرضى، وذلك عبر طرح مجموعة من الأسئلة على المرضى والتي يتم عبرها تشخيص المرض، عندها يتم سابقاً إدخال جميع الأنماط الخاصة بالأسئلة عبر أطباء خبراء إلى النظام.
ويقوم لاحقاً النظام بطرح هذه الأسئلة على المرضى حتى يصل بالنهاية إلى تشخيص المرض بالفعل، ولكن كانت مشكلة هذه الأنظمة هي صعوبة إنشاء الأنماط والتكلفة والوقت الكبيرين لإنتاجهما، عدا أنه في حال كان هناك حالة لا تتواجد ضمن الأنماط المدخلة فببساطة لن يستطيع النظام التعامل معها.
في عام 1959 قام الباحث في مجال الذكاء الاصطناعي Arthur Samuel بكتابة برنامج يقوم بلعب لعبة ضامة، ولكن ما كان يميزه هذا البرنامج انه كان قادر على اللعب مع نفسه والتعلم في كل مرة وتكوين استراتيجيات جديدة عبر هذا الأسلوب، ما سمح له أن يتفوق على مطوريه بعد فترة من التعلم بمفرده.
هذا المفهوم أصبح يدعى تعلم الآلة أو Machine Learning ما يميز هذا الأسلوب أنه لا يحتاج إلى التدخل البشري من أجل تحديد الأنماط التي يحتاجها الذكاء الاصطناعي في العمل، حيث يستطيع البرنامج أن يقوم بالبحث وتحديد الأنماط بناءاً على تجربته الخاصة وتحليله للبيانات.
هذا الأسلوب هو ما يتم استخدامه اليوم على نطاق كبير ضمن البرامج التي بدأنا نشاهدها مثل Midjourney و ChatGPT، وطبعا هناك تفاصيل إضافية يتم الإعتماد عليها من أجل تحسين هذه الأنماط، ولكن لن أتطرق لها لأنها ليست ضمن موضوعنا، وبنفس الوقت لأنها لن تغير من المبدأ الأساسي في عمل الذكاء الاصطناعي وهو الاعتماد على الأنماط.
الآن بعد أن فهمنا تماماً كيف يعمل الذكاء الاصطناعي، وكيف أنه يعتمد على الأنماط في تحليله للبيانات "إن كانت أنماط مدخلة أو أنماط يقوم بإيجادها بنفسه" وبناءاً على أحجية الغرفة الصينية التي قمت بذكرها سابقاً هل يمكننا اعتبار الذكاء الاصطناعي ذكي فعلاً؟ أم أنه مجرد آلة تقوم بالعمل بناءاً على أنماط محددة مضبوطة مسبقاً؟
إن كنا نريد التعمق أكثر بالموضوع دعونا نأخذ تطبيق Midjourney كمثال خصوصاً أنه أحدث تطور كبير ضمن مجال التصميم وإيجاد الصور خصوصاً في إصداره الأخير رقم أربعة والذي حسن من جوانب كثيرة منها إنشاء الشعارات وواجهات الاستخدام والتي كان ضمن الإصدار السابق رقم ثلاث فاشل بها بشكل كبير.
في الوقت الحالي بات هناك قوائم لملفات يتم تداولها بين المستخدمين، تحتوي كلمات مفتاحية وأسماء رسامين وفنانين، هذه الكلمات والاسماء يتم استخدامها ضمن Midjourney من أجل الحصول على أنماط رسم محددة خاصة بهؤلاء الرسامين والفنانين تحديداً.
تعتمد هذه القوائم على أعمال المصممين نفسهم، فكل مصمم مشهور له نمط وأسلوب محدد ضمن أعماله مثل النمط الذي يشتهر فيه Pablo Picasso أو Vincent van Gogh، عندما ستقوم بإدخال أسماء مثل هؤلاء الفنانين سوف تحصل على لوحات ورسوم بنفس النمط الذي يقدمونه تماماً، ولكن ماذا يعني ذلك؟
ببساطة يعني أن Midjourney قام بدراسة الرسومات الخاصة بهؤلاء الرسامين والفنانين وفهم أنماط أعمالهم وهو يقوم بتقليدها بشكل مباشر، ولكن هذا يقودنا إلى مجموعة من الأسئلة.
في حال لم يكن هناك رسامين لديهم أعمال مميزة كيف سيتعلم الذكاء الاصطناعي الرسم في الأساس؟ أو هل يستطيع الذكاء الاصطناعي إنتاج نمط رسم جديد كلياً أم أن كل عمله عبارة عن نسخ أو دمج فقط بأحسن الأحوال؟
سؤال آخر لو رفض الفنانين والرسامين أن يسمحوا للذكاء الاصطناعي الوصول إلى أعمالهم، عندها كيف ستتعلم الآلة هذه الأنماط؟ أيضاً هل يعتبر استخدام هذه الأنماط من قبل الذكاء الاصطناعي قانوني في الأساس؟
يعتبر الذكاء الاصطناعي مجال جديد نسبياً حتى الآن، وهناك الكثير من الأمور التي يعجز عنها أيضاً، وبرأي الشخصي من المبكر جداً أن نقول بأن الذكاء الاصطناعي سيكون منافس مباشر للبشر، كون قدرته على إيجاد فكر خاص أو وجهة نظر مستقلة مازالت محدودة أو معدومة حالياً كما شاهدنا.
ولكن هذا لا يعني أيضاً أن الذكاء الاصطناعي لا يمكن الاستفادة منه هناك الكثير من الجوانب المختلفة التي يستطيع العمل ضمنها بشكل أفضل من البشر بمراحل، مثل البحث عن الأنماط ضمن Big Data والتي من المستحيل على البشر القيام بها أساساً.
لذلك يجب أن نقوم بتوظيف الذكاء الاصطناعي في المهام المناسبة له بدل أن نكرر يومياً ضمن عشرات المنشورات التي لا معنى لها أنه سوف يجلس مكاننا في العمل خلال الفترة القادمة.
متخصص في تصميم واجهات الاستخدام وتجربة المستخدم، عملت على عشرات مشاريع تصميم التطبيقات والمواقع، وأعمل حالياً كمستشار تصميم تجربة مستخدم ضمن العديد من الشركات التقنية، بالإضافة لعملي كمدير للمنتجات ضمن مشاريع تقنية مختلفة.