عملية اختيار التركيبة اللونية لأي تصميم تحكمها الكثير من العوامل المختلفة التي تؤثر على رسالة التصميم.
تكلمت في التدوينة السابقة عن تعريف اللون وطريقة اختيار الألوان، ولكن التعامل مع الألوان يعتبر موضوع أكثر تعقيداً من الطرق البسيطة التي قمت بذكرها، فهناك الكثير من النقاط التي تؤثر على الألوان وتعطيها مضمون ومعنى مختلف في كل مرة.
في هذه التدوينة سأذكر مجموعة من العوامل التي تؤثر في اختيار الألوان بشكل مباشر، هذه العوامل هي عبارة عن خبرات تراكمت عند المصممين عبر تجربتهم في اختيار الألوان والعمل عليها، و ستساعدك بالتأكيد في عملك اليومي اثناء اختيار التركيبات اللونية للتصميم.
مع العلم ان اختيار اللون المناسب عملية تختلف حسب المعطيات والبيئة المحيطة ومتطلبات المشروع، لذلك سوف تبقى انت في النهاية من يحدد ما هو مناسب لكل موقف تواجهه.
لاحظ هذا التأثير العالم الألماني Wilhelm Von Bezold في نهايات القرن التاسع عشر، وهو عالم كان يعمل في مجال الأقمشة، حيث وجد أن تغيير أي لون ضمن مجموعة من التركيبات اللونية، سوف يؤثر بشكل مباشر بمظهر الألوان الأخرى.
نلاحظ ضمن المثال التالي كيف أن مجموعة الأشكال المتماثلة تماماً يختلف الشعور بها عندما تم تغيير لون واحد فقط ضمن تركيبة الألوان المستخدمة في عملية التلوين.
كل مصمم يقوم بمحاولة إيجاد مجموعة متناسقة من الألون وهو في النهاية يحاول أن يجد انسجام في الألوان التي يقوم باستخدامها، هذا الانسجام لا يحكمه قواعد محددة رغم وجود بعض القواعد التي ذكرتها في التدوينة السابقة والتي تساعد المصمم في اتخاذ القرار.
في النهاية يعتبر المصمم له كامل الحرية في اختيار أي تركيبة لونية يجد أنها تحقق الرسالة التي يريد إيصالها في التصميم، حيث يحتاج المصمم في بعض الأحيان لإيصال رسائل هادئة ولكن في حالات اخرى نجد أنه يحتاج أن يوصل رسائل غضب أو اندفاع ضمن التصميم.
لذلك يبقى المصمم المتحكم في التركيبات التي يستخدمها ضمن تصميمه بشرط أن تحقق نوع من الانسجام المريح لعين المتلقي، فالإنسان بطبيعته يبحث دائماً عن التوازن حتى ضمن الألوان، فمثلا التحديق لمجموعة من الألوان القوية قد يسبب تعب لعين المتلقي أو انزعاج ما.
ويفسر الموضوع علمياً على أن المخاريط الخاصة بتفسير الألوان الموجودة ضمن العين، قد تصاب بنوع من التعب عند تلقي ألوان قوية أو مزعجة، لذلك فعلى المصمم دائماً ايجاد ألوان منسجمة ومتوازنة تحقق الرسالة المطلوبة من التصميم.
يختلف إدراك المشاهد لأي لون حسب الألوان المحيطة والمجاورة له، من الممكن أن ندرك لون ما بطريقة مختلفة تماماً فقط بسبب تواجده ضمن بيئة تحتوي على ألوان أخرى تؤثر على اللون الأساسي.
فمثلاً يختلف شعورنا بالنظر إلى لون رمادي يحيطه خلفية سوداء عن الشعور بالنظر إلى نفس اللون ولكن بخلفية بيضاء، ونفس الموضوع عند النظر إلى لون أرجواني مثلاً يحيطه في كل مرة لون مختلف تماماً.
لذلك عندما تقوم باختيار ألوان معينة يجب أن تحاول تجربة هذه الألوان بشكل متجاور مع بعضها قبل تطبيقها على التصميم بهدف فهم كيفية تفاعلها مع بعضها البعض وما سوف يترتب من هذا التفاعل عندما يتلقاها المشاهد.
يعتبر عمى الألوان أحد المشاكل المنتشر بشكل أكبر مما نتوقع فهو يؤثر في 10% من سكان العالم وغالباً ما يصيب الرجال بنسبة أكبر، وللأسف فهو مرض وراثي لا يوجد علاج مناسب له، ولكن تتفاوت نسبة الإصابة به من شخص لأخر لذلك لا يمكننا اعتبار أن كل المصابين به يعانون بنفس النسبة.
وهم في الأغلب غير قادرين على تمييز مجموعة من الألوان أي أنهم يستطيعون مشاهدة الألوان ولكن مع عدم قدرة تمييز نفس كمية الألوان التي يستطيع الشخص العادي تمييزها، طبعا هناك بعض الأشخاص الذين لا يستطيعون تمييز الألوان بشكل كامل ولكنها حالات نادرة جداً.
غالباً ما يواجه المصاب في عمى الألوان مشكلة في تمييز اللون الأحمر والأخضر، ويحاول تعويض ذلك عبر تخمين الألوان المستخدمة، يستخدم الشكل التالي في محاول اختبار قدرة الشخص على تمييز الألوان عبر قراءة الأرقام الموجودة ضمن كل دائرة.
على الناحية الأخرى هناك حالات تسمى بالنظر الخارق والتي يكون المصاب بها قادر على تمييز طيف أكبر من الألوان التي يستطيع تمييزها الشخص العادي، ولكن هذه الحالات قليلة نسبياً حيث تعتبر 2-3% من النساء حول العالم فقط، ويعود السبب لهذه القدرة الخارقة في تواجد مخروط من نوع رابع ضمن أعين هؤلاء الأشخاص.
حيث يستطيع هؤلاء تمييز طيف إضافي من الألوان موجود ما بين الأحمر والأزرق، ولكن بسبب النسبة القليلة لهم لا داعي لأخذ الموضوع في الحسبان ضمن عملية اختيار الألوان في التصميم.
من العوامل التي تؤثر بشكل مباشر في اختيار الألوان هو عامل الخلفية الثقافية، للألوان معاني ودلالات تختلف من شعب إلى آخر، فمثلاً اللون الأبيض قد يشير إلى النقاء والعذرية في ثقافات معينة ولكنه في ثقافات أخرى يشير إلى الموت، اللون الأحمر بدوره يستخدم لإعلان الحرب عند بعض الشعوب ولكنه يشير إلى الزواج لدى شعوب أخرى.
لذلك دورك هنا كمصمم هو اختيار اللون المناسب للتصميم وذلك بناءاً على دراستك للخلفية الثقافية الخاصة بالجمهور المستهدف، لكي لا تقع في مشكلة اختيار لون غير مناسب يوصل رسالة قد يفهمها المتلقي بطريقة مختلفة عن الطريقة التي تفهمها انت بها وذلك بسبب اختلاف الثقافات.
بالتأكيد هناك عوامل أخرى تؤثر على طريقة تلقي المشاهد لأي لون، وذلك بحسب السياق أو العمر أو الإضاءة … الخ. ولكن حاولت التركيز على العوامل التي تؤثر بشكل مباشر والتي يمكننا التعامل معها أثناء مرحلة التصميم.
لذلك لاحقاً عندما تقوم بالعمل على تركيبة لونية لأحد تصاميمك حاول أن تأخذ هذه النقاط بعين الاعتبار، وذلك من أجل أن تضمن اختيار الوان مناسبة للجمهور المستهدف وتحقق أهداف التصميم.
متخصص في تصميم واجهات الاستخدام وتجربة المستخدم، عملت على عشرات مشاريع تصميم التطبيقات والمواقع، وأعمل حالياً كمستشار تصميم تجربة مستخدم ضمن العديد من الشركات التقنية، بالإضافة لعملي كمدير للمنتجات ضمن مشاريع تقنية مختلفة.