يعتبر قانون Hick واحد من القوانين التي تركز بشكل كبير على تبسيط المعلومات أمام المستخدم من أجل تسهيل اتخاذ القرار.
نستمر مع سلسلة قوانين تجربة المستخدم وهذه المرة مع قانون هيك Hick’s Law والذي يعتبر واحد من أهم القوانين التي تساعد في تحسين تجربة المستخدم عبر تنظيم المعلومات وتسهيل التجربة ككل.
ينص القانون على أن الوقت الذي يستغرقه المستخدم في اتخاذ قرار ما سوف يزيد مع زيادة عدد الخيارات المتاحة أمامه وأيضاً بزيادة تعقيد هذه الخيارات.
لوهلة قد تجد أن هذا منطقي وبسيط جداً، ولكن يجب أن نفهم السبب وراء هذا التأخر لدى المستخدم حتى نتمكن من معالجة المشكلة بالطريقة الصحيحة.
تم تطوير نظرية الحمل المعرفي Cognitive Load Theory من قبل John Sweller في أواخر الثمانينيات، والتي تقول أن العقل البشري يمتلك ذاكرة قصيرة المدى وهي محدودة السعة تقوم بمعالجة المعلومات التي يستقبلها الإنسان، وهناك الذاكرة الطويلة المدى وهي ذاكرة غير محدودة تخزن المعلومات بعد عملية معالجتها.
المشكلة تكمن في الذاكرة القصيرة المدى فهي لا تستطيع معالجة إلا كمية محدودة من المعلومات خلال نفس المدة الزمنية، وعندما يصبح هناك كمية أكبر من المعلومات تحتاج إلى المعالجة في نفس الوقت، يصبح لدينا حالة تسمى زيادة في الحمل المعرفي.
يوجد عدة أنواع مختلفة من زيادة الحمل المعرفي لا أريد التطرق لها لأنها ليست هدفنا ضمن هذه المقالة.
كمثال لتوضيح الفكرة يمكننا تشبيه الموضوع بذاكرة أجهزة الحاسب المؤقتة RAM، والتي تعتبر محدودة وتستخدم لتخزين المعلومات التي يتم معالجتها في الوقت الفعلي.
ولكن كونها محدودة هذا يعني أن جهاز الحاسب لا يستطيع استيعاب المعلومات للمعالجة أكبر من قيمة هذه الذاكرة في نفس الوقت، وسوف تنتظر باقي المعلومات حتى يأتي دورها في المعالجة مما يسبب التأخير في المعالجة.
الموضوع نفسه تماماً لدى الإنسان ولكن الفرق الأساسي هو أنه عندما يواجه الإنسان مثل هذه المشكلة، أي ضغط إضافي على الذاكرة قصيرة المدى فإنه سوف يتوقف عن استخدام الشيء الذي يسبب له هذا الحمل الزائد من معالجة البيانات.
أي بعبارة أوضح في حال حاولت أن أقوم باستخدام جهاز ما ولكنني لم أفهم واجهة الاستخدام بسبب كثرة الخيارات الموجودة ضمنه، هذا سوف يسبب لي ضغط معرفي كوني أحاول أن أفهم كيف يعمل هذا الجهاز، ولكن في حال عجزت عن معالجة الموضوع بشكل سريع بما يكفي سوف أقوم بترك الجهاز مباشرة لأتخلص من هذا الضغط.
وأعتقد أن أي شخص يقرأ هذا المقال الآن سوف يتذكر مباشرة إحدى الحالات التي عجز فيها عن فهم طريقة عمل شيء ما لذلك قرر التوقف عن استخدامه وذلك بسبب التعقيد في التصميم.
هناك الكثير من الأمثلة التي نجد فيها تطبيق مباشر لقانون هيك، منها أجهزة التحكم عن بعد الخاصة بالتلفاز، فكلنا يتذكر الأجهزة القديمة والتي تطورت مع الوقت حتى اصبحت تحتوي على كمية كبيرة من الأزرار التي تستخدم للعديد من المهام المختلفة.
ولكن كثرة الميزات لا يعني دائماً شيء أفضل فمع الوقت أصبح استخدام هذه الأجهزة أمر شبه مستحيل، لان كل جهاز يمتلك عشرات الأزرار التي من غير الواضح ماذا تفعل، لذلك مع الوقت تم استبدال هذه الأجهزة بأجهزة أكثر بساطة تحتوي على الأزرار الأساسية فقط، وتم نقل الميزات إلى واجهات الاستخدام ضمن التلفاز، حيث يمكن هناك التحكم بتصميم المميزات وطريقة عرضها بشكل أفضل.
مثال آخر أجد أنه حديث نسبياً سيارات تسلا فأي شخص جرب أو شاهد هذه السيارات من الداخل، سوف يجد أنها لا تملك أي زر تقريباً أمام السائق، حيث تم نقل كل الأزرار إلى شاشة التحكم الموجودة في المنتصف.
على الناحية الأخرى السيارات التقليدية لديها الكثير من الأزرار للتحكم بكل شيء، وتحتاج كمستخدم إلى وقت حتى تستطيع التعرف عليها وفهم عملها بشكل كامل، صحيح انها قد تكون مدعمة بأيقونات توضح الهدف ولكن هذا قد لا يكون كافي (هذه النقطة أوضحها في الفقرة التالية).
أما ضمن شاشة التحكم الكبيرة يمكن للمصمم توضيح المعلومات بشكل أفضل وأسهل على المستخدم، مما يجعل تجربة القيادة أسهل بشكل كبير.
يمكنك كمصمم واجهات استخدام وتجربة مستخدم أن تقوم بتطبيق قانون هيك عبر التأكيد على عدة نقاط أثناء عملية التصميم وهي:
يمكننا اعتبار أن تقليل الخيارات أمام المستخدمين خصوصاً عندما يكون وقت الاستجابة أمر أساسي وضروري، فبالعودة إلى سيارة تيسلا ليس من المنطقي عرض رسالة على المستخدم تحتوي على عدة خيارات أثناء القيادة لأن هذه الخيارات الكثيرة سوف تحتاج إلى وقت للتفكير واتخاذ القرار وهذا أمر خطير أثناء القيادة.
لذلك كلما عملت على تقليل الخيارات التي تظهر في واجهة الاستخدام كلما قللت دائماً من وقت اتخاذ القرار، لذلك حاول دائماً أن تفكر في تصاميم لا تحتوي على الكثير من الخيارات.
في حال واجهتك ضمن إحدى الحالات الكثير من المعلومات الضرورية التي تحتاج إلى تحديد من قبل المستخدم، حاول تقسيم هذه المعلومات إلى عدة مهام منفصلة تحتوي كل واحدة منها على معلومات محددة، هذا السلوك من التصميم شائع جداً لتحسين تجربة المستخدم.
لانك تساعد المستخدم مباشرة عبر تقليل الحمل المعرفي عليه، فبدل أن يحتاج المستخدم لمعالجة كل المعلومات دفعة واحدة سوف يقوم بالتعامل مع هذه المعلومات على دفعات وهذا أفضل بالنسبة له.
عندما تقوم بتمييز بعض الخيارات المفضلة بهدف مساعدة المستخدم في بعض الأحيان فأنت تولد حمل معرفي إضافي لا داعي له، فمثلاً لو قمت بتمييز خيار من عدة خيارات سوف يتوقف المستخدم من أجل محاولة فهم لماذا هذا الاختيار هو الأفضل؟
حاول تذكر متى آخر مرة قمت بها باستخدام تطبيق جديد تماماً بالنسبة لك، وكان هذه التطبيق مليء بالميزات المختلفة؟ ألم تجد أنك ضائع وسط هذه الكمية الكبيرة من الميزات التي لا تعلم عنها شيء؟
الشركات التقنية تتفاخر بكمية الميزات التي تقدمها ضمن تطبيقاتها ولكن هذه الكمية قد تكون لعنة في بعض الأحيان، لأنها سوف تسبب هروب المستخدمين عندما لا يعلمون كيفية التعامل معها.
والحل هو عبر استخدام استراتيجية الإعداد التدريجي، أي أن تقوم بعرض الميزات بطريقة تدريجية للمستخدم الجديد تحديداً مع مجموعة من الإرشادات حول كيفية استخدامها، وكلما تعمق المستخدم في العمل على التطبيق أو النظام، كلما قمت بعرض المزيد من الميزات له حتى يتمكن أخيراً من فهم كل هذه الميزات بشكل تدريجي وصحيح.
من الواضح تماماً انني ركزت على تبسيط المعلومات بشكل كبير ضمن كل المقال، ولكن الكثير من التبسيط قد يصل إلى مرحلة الابتذال، والمبالغة في التبسيط سوف تشعر المستخدم وكأنه غبي وهذا أمر غير جيد طبعا.
أيضاً التبسيط الشديد قد يسبب عدم الفهم، فمثلاً ضمن واجهات الاستخدام يتم الاعتماد بشكل كبير على الأيقونات في توضيح بعض المفاهيم، وهذا أمر جيد لأن الأيقونات تعتبر أقرب للغة عالمية فكثير من الأيقونات يمكن فهمها مباشرة من قبل المستخدم مهما كانت لغته أو ثقافته.
في بعض الأحيان قد يقوم المصمم باستخدام الأيقونات فقط، وهذا تبسيط ولكن مبالغ فيه فقد يكون لبعض الأيقونات أكثر من معنى يؤدي لفهم مختلف عن المطلوب، لذلك حاول إضافة نصوص بجانب الأيقونة كعناوين بسيطة، هذه النصوص أثبتت أنها تعزز وتوضح بشكل كبير معنى الأيقونة مما يجعل فهمها بشكل غير صحيح أمر غير وارد.
يعتبر قانون هيك من القوانين التي لها تأثير كبير كما أشرت على تحسين تجربة المستخدم، وفي عصرنا الحالي تميل كل الشركات على تطبيق هذا القانون بشكل مباشر حتى لو كانوا غير مدركين له أساساً.
حاول دائماً تطبيق قانون هيك بشكل جيد ضمن التصميم من أجل أن تضمن عدم وجود كمية كبيرة من المعلومات التي تحتاج إلى المعالجة من قبل المستخدم، أي عدم وضع المستخدم في حالة حمل معرفي زائد، وذلك من أجل ضمان تجربة مستخدم أفضل.
متخصص في تصميم واجهات الاستخدام وتجربة المستخدم، عملت على عشرات مشاريع تصميم التطبيقات والمواقع، وأعمل حالياً كمستشار تصميم تجربة مستخدم ضمن العديد من الشركات التقنية، بالإضافة لعملي كمدير للمنتجات ضمن مشاريع تقنية مختلفة.