معرفتنا بقوانين تصميم تجربة المستخدم يساعدنا في عمل تصاميم حسب احتياج المستخدم بشكل صحيح ومن هذه القوانين قانون جاكوب لمواقع الويب.
مجال تصميم تجربة المستخدم يعتمد على علم النفس بشكل كبير، ويعتبر التكلم ضمن هذا الموضوع أمر طويل يحتاج إلى الكثير من المقالات حتى يتم تغطية شيء بسيط منه، وقد قمت بإنشاء هذا الموقع خصيصاً لمثل هذه المواضيع.
ضمن مقال سابق لي تحت عنوان "كتب هامة يجب أن تقرأها في مجال تصميم تجربة المستخدم" قمت بذكر كتاب "Laws of UX" والذي يعتبر واحد من أهم الكتب الحديثة التي تتكلم عن علم النفس ضمن مجال تصميم المنتجات وتجربة المستخدم.
الكتاب يتناول مجموعة من القواعد والقوانين التي تم وضعها سابقاً والتي تصف طرق تصميم المنتجات عبر الأخذ بعين الاعتبار جوانب علم النفس، ويقوم الكتاب بربط هذه التفاصيل مع بعضها بطريقة عملية وبسيطة.
لذلك ما سأقوم به هو أخذ هذه القوانين وإعادة النظر بها مع طرح مجموعة من الأمثلة العملية ضمن مجموعة من المقالات، بحيث نغطي ضمن كل مقال قانون واحد تحت سلسلة باسم "قوانين تصميم تجربة المستخدم".
وقد أقوم بإضافة قواعد أخرى لاحقاً لم يتم التطرق لها ضمن الكتاب بحيث أقوم بالتوسع بشكل أكبر، ولكن في البداية سوف أبدأ بما تم التكلم عنه، هدف السلسلة ليس إعادة نشر القوانين فقط وإنما إضافة منظور آخر لها بحسب تجربتي الشخصية التي اكتسبتها من عملي في مجال تصميم المنتجات لسنوات، لذلك دعونا نبدأ.
يقول قانون جاكوب Jakob’s Law أن المستخدمين يملكون معرفة مسبقة في طريقة استخدام المواقع التي يزورونها يومياً، لذلك عندما يقومون باستخدام موقع جديد فإنهم يفترضون أن هذا الموقع يمتلك نفس طريقة الإستخدام للمواقع التي يعرفون استخدامها مسبقاً.
طبعا هذا القانون يطبق على المواقع والمنتجات الرقمية بنفس الشكل، أي أن المستخدم يفضل أن يقوم بتجربة استخدام منتج لديه معرفة عن طريقة عمله واستخدامه أكثر من استخدام منتج لا يمتلك عنه أي فكرة نهائياً.
يعود ذلك بسبب طبيعة المعرفة التراكمية التي يمتلكها الإنسان سابقاً، والتي تعطي أفضلية للمنتجات التي يعرفها المستخدم، حيث أن الإنسان لا يفضل ان يقوم ببذل جهد عقلي إضافي في محاولة معرفة طريقة استخدام المنتج الجديد أو كيفية الحصول على المعلومات منه.
لذلك علينا نحن كمصممين ان نقوم بتصميم المواقع أو المنتجات بطريقة مألوفة بالنسبة للمستخدم، من أجل تسهيل طريقة الاستخدام وتقليل نسبة الاحتكاك التي يحتاج المستخدم لتعلم استخدام المنتج الجديد، وهذا يساعد المستخدم في التركيز على هدفه الأساسي من استخدام هذا المنتج أو التركيز على المحتوى ضمن الموقع.
ونستطيع القيام بذلك عبر استخدام النماذج والأنماط التصميمية المتعارف عليها ضمن المواقع أو المنتجات الرقمية، بدل أن نقوم باختراع طرق جديدة تكون غير مألوفة نهائياً بالنسبة للمستخدم، مثل استخدم هيكلية بيانات متوقعة أو تصميم صندوق البحث بشكله الاعتيادي.
يعتمد قانون جاكوب على ما يسمى النموذج الذهني Mental Models أي ما نعرفه عن طريقة استخدام نظام معين أو آلية العمل ضمن متجر مثلاً، حيث يشكل المستخدم نموذجاً ذهنياً ضمنياً حول طريقة عمل أي منتج ثم يحاول تطبيق هذا النموذج ضمن آلية الاستخدام.
وطبعا يتم تكوين النماذج الذهنية عبر التجارب السابقة للمستخدم، فمثلاً استخدام مجموعة من المواقع في الإنترنت سوف يشكل توقع مسبق لدى المستخدم (نموذج ذهني) لطريقة استخدام اي موقع جديد يقوم بزيارته.
وهنا يأتي دور المصممين عندما يقومون بتصميم موقع أو منتج جديد، حيث يتوجب عليهم أن يقوموا بعمل تصميم بما يتوافق مع النموذج الذهني الخاص بالمستخدمين وليس الخاص بهم.
فالمصممون بالعادة يمتلكون توقعات وخبرات تختلف تماماً عن المستخدمين (أي نماذج ذهنية أخرى بحكم تجربتهم في العمل)، ويتم الحصول على رؤية واضحة حول النموذج الذهني الذي يملكه المستخدم عبر جميع الأدوات المتوفرة للمصمم مثل إجراء المقابلات وعمل الاستبيانات وتحليل سلوك المستخدمين، أي عبر عمل أبحاث كاملة حول المستخدمين.
لعل أشهر الأمثلة التي يمكن ذكرها هنا هو المكونات البسيطة التي نقوم باستخدامها يومياً ضمن التطبيقات والمواقع، مثل أزرار السويتش والأزرار العادية وأيضاً بعض المؤشرات التي تستخدم في لوحات التحكم.
تم تصميم هذه الأزرار بطريقة لتتشابه مع الأزرار التي كان الناس قد اعتادوا على استخدامها سابقاً ضمن الاجهزة الكهربائية القديمة، وذلك لكي تصبح عملية الاستخدام سهلة ومتوقعة بالنسبة لهم، بدون الحاجة إلى التفكير في طريقة استخدام العناصر الجديدة التي ستكون مربكة جداً لو أن التصميم مختلف.
عدم تطابق شكل المكونات سوف يسبب ما يسمى عدم توافق النموذج الذهني أثناء عملية الاستخدام، ايضاً من أشهر الامثلة الموجودة حتى الآن أزرار التشغيل والايقاف المستخدم ضمن الفيديوهات ومشغلات الموسيقى في أي موقع، والتي تتشابه بشكل كبير مع الأزرار ضمن مشغلات الأشرطة الموسيقية القديمة.
أيضاً من المهم جداً أخذ قانون جاكوب بعين الاعتبار عندما نقوم باعادة تصميم اي واجهة لمنتج قيد الاستخدام بنسبة عالية، حيث سيشكل اعادة التصميم بطريقة جذرية مشكلة بسبب الاختلاف الكبير الذي سوف يحصل بشكل مفاجئ، أي تغيير ما تعود عليه المستخدم خلال الفترة الماضية من الاستخدام.
لذلك نجد أن الشركات التقنية الكبيرة تقوم بتغيير تدريجي لواجهات الاستخدام حتى لا يقع المستخدمون بهذه المشكلة، ومن أشهر هذه الأمثلة عندما قامت يوتيوب بتغيير كبير لتصميم الموقع عام 2017 حيث تم طرح التغييرات بشكل تدريجي، وبالمناسبة حالياً تقوم يويتوب بنفس الموضوع ايضاً.
ومن الأمثلة التي توضح المشاكل التي ستقع في حال الانتقال السريع، ما قامت به سناب شات في عام 2018 عندما غيرت بشكل مفاجئ أجزاء كبيرة من تصميمها الخاص باستعراض المنشورات والتواصل مع الاصدقاء.
حيث كان هدف هذا التغيير هو تحسين واجهة الاستخدام وزيادة التفاعل وتحسين الاعلانات، ولكن التغيير السريع غير المتوقع بالنسبة للمستخدمين سبب مشاكل في طريقة الاستخدام بالنسبة لهم، ما دفع الكثير منهم لعدم قبول هذا التغيير والانتقال إلى منصات آخرى.
قد يرفض بعض المصممين الاعتماد على قانون جاكوب والسبب ببساطة أنه يقتل الإبداع، فمع تطبيقه بشكل مفرط سوف نجعل جميع المواقع والمنتجات المتوفرة متشابهة بشكل كبير جداً، ما سوف يجعل استخدامها ممل ويحولها جميعاً لنموذج مكرر.
ولكن هذا ما نشاهده بشكل كبير في الوقت الحالي فمعظم المواقع متشابه بشكل كبير جداً، حتى الهواتف الذكية فمع النجاح الكبير الذي حصل عليه جهاز الأيفون اصبحت كل الأجهزة بنفس الشكل وطريقة الاستخدام حرفياً، قطعة مستطيلة بشاشة مسطحة للمس وزر تشغيل فقط.
سبب ذلك محاولة الشركات الوصول إلى المستخدم واقناعهم باستخدام منتجاتهم بأسهل طريقة ممكنة، بالإضافة إلى محاولات التشبه بالمنافسين وايضاً استخدام أدوات التطوير نفسها وغيرها من الأسباب الأخرى.
ولكن هل لو كان كل موقع له تصميم مختلف بشكل كامل سيكون الوضع أفضل؟ لا اعتقد ذلك لان هذا سيؤدي إلى احتياجنا المزيد من الوقت في محاولة تعلم طريقة استخدام كل موقع ومنتج، وهو ما سوف يحول الإنترنت إلى شيء صعب الاستخدام بشكل هائل بالنسبة لشريحة كبيرة من المستخدمين.
لذلك رأيي الشخصي يعتبر المزج ما بين الاثنين أمر مطلوب، أي المحافظة على أنماط تصميمية معينة اثناء عملية التصميم، وأيضاً محاولة الابتكار والتغيير بجزئيات صغيرة وبشكل تدريجي، بالإضافة إلى توفير طرق مختلفة للوصول إلى نفس الهدف النهائي من الاستخدام.
متخصص في تصميم واجهات الاستخدام وتجربة المستخدم، عملت على عشرات مشاريع تصميم التطبيقات والمواقع، وأعمل حالياً كمستشار تصميم تجربة مستخدم ضمن العديد من الشركات التقنية، بالإضافة لعملي كمدير للمنتجات ضمن مشاريع تقنية مختلفة.